دور النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية


 تعتبر النيابة العامة طرفا أصليا في الدعوى العمومية و لا سيما في القضايا الزجرية إذ يتعين حضورها عند المناقشة و عند صدور الحكم، غير أنها تكون مجرد طرف منضم في شق القضايا المدنية و لا تعد طرفا رئيسيا فيها إلا في حالات نادرة جدا و ترتبط مهمتها في مثل هذه القضايا بمراقبة سير القضية في جميع مراحلها و المطالبة بتطبيق القانون و السهر على تنفيذ القرارات الصادرة عن المحاكم، و تسمى كذلك بالقضاء الواقف،كما تشكل جهازا قضائيا مستقلا عن باقي الأجهزة القضائية الأخرى، فهي تمثل المجتمع و تنوب عنه في جل القضايا المعروضة أمام المحاكم، و تعمل على ضمان حماية حقوق الأفراد داخل المجتمع و إحكام قواعد العدالة إذ تعد خصما شريفا في الدعوى العمومية، تكمن مهمتها في إحقاق الحق و إرساء دعائم العدل، و في هذا الصدد نجد أنها تتميز بعدة سمات تبرز اختلافها عن باقي الجهات القضائية، و هنا نخص بالذكر خاصية الوحدة التي تتجسد في كونها هيئة واحدة لا تقبل التجزئة، و يمكن لأعضاء النيابة العامة التناوب بخصوص حضور جلسات قضية واحدة و يسمح لأي عضو إتمام الإجراءات التي بدأها أعضاء آخرون لأنهم يملكون جماعة جهاز النيابة العامة، إضافة إلى مبدأ الاستقلالية على اعتبار أنها مستقلة عن خصومها في الدعوى و كذا عن الإدارة كما المحكمة، علاوة على ذلك فلا يجوز لأي متهم ثبتت براءته أن يتابع أحد أعضاء النيابة العامة كون هذه الأخيرة الضامنة لحقوق الأفراد و تمثل الحق العام كما أنه لا يمكن تجريدهم ذلك أن الاختصاصات المخولة لها تكتستي طابعا إجرائيا ليس إلا..


  إن الدعوى العمومية تقام ضد الفاعل الأصلي للجريمة و المساهمين و المشاركين فيها و ذلك طبقا لمقتضيات المادة 03 من قانون المسطرة الجنائية التي جاء فيها : " تمارس الدعوى العمومية ضد الفاعل الأصلي للجريمة و المساهمين و المشاركين في ارتكابها .. - يقيم الدعوى العمومية و يمارسها قضاة النيابة العامة، كما يمكن أن يقيمها الموظفون المكلفون بذلك قانونا".

تتولى النيابة العامة مهمة تحريك و ممارسة الدعوى العمومية، و معنى ذلك أنها تنفرد بهذه السلطة إذ تعهد إلى قضاة النيابة العامة و ذلك طبقا لمقتضيات المادة 36 من قانون المسطرة الجنائية الذي نص على أنه : " تتولى النيابة العامة إقامة و ممارسة الدعوى العمومية و مراقبتها و تطالب بتطبيق القانون، و لها أثناء ممارسة مهامها الحق في تسخير القوة العمومية مباشرة"، فهو يعد أول إجراء تقوم به، و ذلك بإحالتها إلى القضاء للفصل فيها بالإدانة أو البراءة، حيث تباشر تتبع الدعوى و تقدم الملتمسات و حضور الجلسات و تسخير كافة الإجراءات من أجل التطبيق السليم للقانون، و ذلك حسب المادة 38 التي نصت على أنه : " يجب على النيابة العامة أن تقدم ملتمسات كتابية، طبقا للتعليمات التي تتلقاها ضمن الشروط المنصوص عليها في المادة 51 و هي حرة في تقديم الملاحظات الشفهية التي ترى أنها ضرورية لفائدة العدالة"..
و تختلف طرق ممارسة الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة باختلاف طبيعة الجريمة سواء كانت مخالفة أو جنحة أو جناية و لكل جريمة مسطرة تحريكها الخاصة بها ..


و أما بخصوص المخالفات فقد تبنى المشرع مسطرة خاصة بها و تتمثل في مسطرة السند التنفيذي، والتي يتم اللجوء إليها في المخالفات التي يعاقب عليها القانون بغرامة فقط و التي تكون مثبتة بمحضر أو تقرير و لا يظهر فيها متضرر أو ضحية، بتوفر هذه الشروط يتم توجيه اقتراح مكتوب من طرف وكيل الملك إلى المخالف أو المسؤول المدني يقترح فيها عليه أداء غرامة تبلغ قيمتها نصف الحد الأقصى للغرامة المنصوص عليها قانونا، مثال: في حالة مخالفة تدخل ضمن المخالفات التي حدها الأقصى 1200 درهم، و هي مثبتة بمحضر و ليس فيها متضرر أو ضحية، يتم اقتراح أداء 600 درهم في السند الذي هو قابل للتنفيذ أي يتم أداء الغرامة بذلك السند مباشرة و ينتهي الأمر في كل الأحوال إذا قبل المخالف أداء الغرامة المقترحة في السند التنفيذي يقوم بذلك بصندوق أي محكمة سواء المصدرة للسند أو أي محكمة أخرى، أما في حالة رفض المخالف أداء الغرامة فيرفع الأمر إلى المحكمة .. 


و فيما يتعلق بالجنح، فإن ممارسة الدعوى العمومية تتخذ طابعا إجرائيا خاصا تختلف تجلياته حسب طبيعة الجنحة المرتكبة و نوعيتها، فإذا تعلق الأمر بجنحة لا يعاقب عليها القانون سوى بغرامة فقط و كان حدها الأقصى لا يتجاوز 5000 درهم، أو كان ارتكابها مثبت في محضر أو تقرير ولا يظهر فيها متضرر فإن وكيل الملك يسلك طريقة خاصة في إقامة الدعوى العمومية تتمثل في ما يلي :
1- تقدم وكيل الملك بملتمس كتابي يلتمس فيه الحكم على المتهم بغرامة .
2- يتم إصدار الأمر القضائي في غيبة الأطراف .
3- لا يمكن أن يتجاوز مبلغ الغرامة المحكوم بها نص الحد الأقصى للغرامة المقدرة قانونا.
4- يتم الحكم بالمصاريف القضائية إلى جانب مبلغ الغرامة .
و على غرار السند التنفيذي في المخالفات يتم تبليغ الأمر القضائي في الجنح للمتهم أو المسؤول المدني إن وجد وفق مقتضيات الفصول 37 و 38 من قانون المسطرة المدنية و المتمثلة في :
1- الاستدعاء بواسطة أعوان كتابة الضبط.
2- الاستدعاء بواسطة المفوضين القضائيين.
3- الاستدعاء بواسطة البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل.
4- الاستدعاء بواسطة الطريقة الإدارية.
و فيما يخص الاستدعاء للجلسة فيمكن تصوره في حالتين الأولى في الجنح و المخالفات العادية و هي تلك التي يجري بشأنها بحثا عاديا دون توجيه تعليمات من طرف النيابة العامة إما بالتقديم أو الوضع تحت الحراسة النظرية نظرا لخطورتها أو لأسباب تستدعيها طبيعة البحث و هي ما يطلق عليه الفقه حالات التلبس، ففي الحالة الأولى و هي الأكثر شيوعا يتم توجيه الاستدعاء إلى المتهم بعد إعمال سلطة الملائمة التي يوقعها وكيل الملك أو من ينوب عنه، و تكون مرفقة بشهادة التسليم التي يتم توقيعها من طرف رئيس مصلحة النيابة العامة أو من ينوب عنه و تحال القضية على المحكمة للبت فيها في جلسة علنية تحدد النيابة العامة تاريخها، و يتم تبليغ الاستدعاء طبقا للفصلين 37 و 38 من قانون المسطرة المدنية، أما في الحالة الثانية فيتم إخبار المتهم بالاستدعاء عند تقديمه أمام أنظار وكيل الملك في حالة ما إذا ارتأى متابعته في حالة سراح و يتم استدعاؤه بعد استنطاقه و اتخاذ قرار بإطلاق سراحه و أوضح قانون المسطرة الجنائية شكليات و كيفية توجيه و تعبئة الاستدعاء في المواد 308 و ما يليه من قانون المسطرة الجنائية تحت طائلة البطلان في حالة الإخلال بأحد المقتضيات المنصوص عليها قانونا.
و أما عن مسطرة الإحالة الفورية على الجلسة فلا يمكن الحديث عنها إلا بالنسبة للأشخاص الماثلين أمام وكيل الملك و نظرا لكون هذا الإجراء يرتبط بالأشخاص المقدمين و يتسم بطابع الفورية و يتحتم اتخاذ قرار في يومه بخصوص المساطر المعروضة عليه و الذي يتجلى في :
1- إرجاع المسطرة لتعميق البحث مع البت في وضعية الوضع تحت تدابير الحراسة النظرية.
2- متابعة المتهم في حالة سراح مقابل كفالة مالية أو شخصية.
3- اعتقال المعني بالأمر و إيداعه في السجن.
4 - حفظ المسطرة.
5- الإحالة للاختصاص
و المراد بهذه المسطرة الإحالة على المحكمة أو بمعنى آخر متابعة المتهم أمام الجهة القضائية المختصة في حالة اعتقال احتياطي، كذلك أحدث المشرع بمقتضى قانون المسطرة الجنائية نظام التحقيق في المحاكم الابتدائية في بعض الجنح التأديبية بهدف تعميق الأبحاث التمهيدية و تدقيق الأدلة و تمحيصها.


منح القانون إقامة الدعوى العمومية من طرف الوكيل العام للملك و ممارستها أمام محكمة الاستئناف في الجنايات و الجرائم المرتبطة بها أو غير القابلة للتجزئة عنها، سواء كانت جنحا أو مخالفات و يقيم الوكيل العام للملك الدعوى العمومية و يمارسها طبقا للمواد 36 و 49 و 419 من قانون المسطرة الجنائية، و تجدر الإشارة إلى أن المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية قد حددت طريقة و كيفية إقامة الدعوى العمومية من طرف الوكيل العام للملك الذي بمجرد توصله بالمساطر المتعلقة بالجرائم التي تدخل ضمن اختصاصه، فإذا قرر تحريك الدعوى العمومية بالإحالة على غرفة الجنايات فإنه يعمل على إقرار ذلك بطريقتين:
إما بالإحالة الفورية على الجلسة و يقصد بها إحالة المتهم على غرفة الجنايات الابتدائية في حالة اعتقال احتياطي و الملاحظ أن المشرع المغربي قيد سلطة الوكيل العام للملك عند لجوئه للاعتقال و الإحالة الفورية على غرفة الجنايات و ذلك باحترام توافر الشروط التالية:
1- أن يتعلق الأمر بجناية ملتبس بها طبقا لمقتضيات المادة 56 من ق.م.ج.
2 - أن تكون الجريمة من الجرائم التي يكون فيها التحقيق إلزاميا.
3- إذا ظهر للوكيل العام للملك أن القضية جاهزة للبت فيها، و يهدف المشرع من خلال إعمال هذه الشروط إلى تقييد سلطة الوكيل العام في الاعتقال و تمكين المتهم من العديد من الضمانات الشخصية أو العينية، و عليه يتم وضع المتهم رهن الاعتقال الاحتياطي و إحالته على غرفة الجنايات الابتدائية داخل أجل 15 يوما على الأكثر، هذه هي شروط و كيفية الإحالة الفورية على الجلسة كما أوردتها المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية و يتم اللجوء إلى هذه الإمكانية في الجرائم الخطيرة أو تلك التي لا يتوفر فيها المشتبه فيهم على ضمانات الحضور، حيث تخضع هذه الأخيرة للسلطة التقديرية للنيابة العامة التي قد تلجأ الى مسطرة الإحالة الفورية أو الاستدعاء للجلسة و محاكمة المتهم في حالة سراح.. تختلف مسطرة الاحالة الفورية على غرفة الجنايات الابتدائية عن استدعاء المتهم للجلسة في كون الأولى يتابع فيها المتهم في حالة اعتقال احتياطي بعد اتخاذ أمر بايداعه في السجن، في حين تكمن القيمة العلمية و القانونية للاستدعاء للجلسة في أن المتهم يعرض و يقدم للمحكمة و هو في حالة سراح مقابل كفالة شخصية أو مالية.

انشر تعليق

أحدث أقدم