تطور الفكر الاجتماعي العربي


يناقش المستشرق ز.أ.ليفين في هذا الكتاب فكرة القومية والإسلام، حيث يرى أن النزعة القومية في الدول العربية تطورت في اتجاهين، الأول هو الاتجاه العربي الإسلامي، والثاني اتجاه علماني. ويشير إلى أن كثيراً من أشكال القطرية والعلمانية تضطر في بحثها عن الأصالة القومية للتوجه إلى التراث العربي الإسلامي لتأخذ منه الرموز والأعلام وحتى المسميات التي تحتاجها، بالتالي يكون بحث المسائل القومية في الدول العربية مرتبطاً حتماً بضرورة النظر في موازاة بين القومية والإسلام. يشير الكاتب إلى أن موقف غالبية المفكرين الإسلاميين من القومية يتسم بالازدواجية، فهم من جانب يؤيدون القومية لكونها تخدم مصالح الشعوب المعتنقة للإسلام وتحررها من السيطرة الأجنبية، ومن جانب آخر ينتقد الزعماء الإسلاميون بشدة الأيديولوجيات القومية التي تساهم في تجزئة أمة الإسلام وتفصلها إلى مجموعات ناهيك عن ذلك قولهم بأن القومية تهدف لبناء مجتمع علماني غير ديني.

 ومن وجهة نظر المؤلف، فإن التقاليد القومية العربية مرتبطة بأواصر القربى مع الإسلام وذلك في نقطتين: الأولى تشابك الأخلاقيات الإسلامية مع التقاليد القومية بحيث أصبح من الصعب التمييز بين القيم الإسلامية والقيم الأصلية للثقافة القومية العربية. والثانية تشير إلى حاجة أنصار الإسلامية والقوميين المتبادلة لبعضهم، فالإسلاميون يعتمدون على الحكومات القومية ودعمها لإنجاز رسالتهم، وعلى الجانب الآخر يحاول القوميون العرب الاستفادة من الإسلام وإمكانياته في التعبئة، ويصفوه على أنه عنصراً هاماً للأصالة القومية وسلاحاً أيديولوجياً في النضال من أجل ترسيخ السيادة القومية وبناء مجتمع عصري.


كما يشير المؤلف إلى أن القوميون العرب يسعون لتكريس المثل القومية من خلال الإسلام وإعطاءه الطابع القومي، ولبلوغ هذا يبرزون بشتى السبل تفوق العرب على كافة الشعوب المسلمة الأخرى (القرآن الكريم نزل بلسان عربي ....الخ)، مع ملاحظة أن الإسلام لا يميز العرب بشيء ولا يمنحهم أية أفضلية على غيرهم. أضف إلى ذلك فإنه دائماً ما يتم التأكيد على الترابط بين الأمة العربية والإسلام مع إبراز دور الإسلام في التاريخ العربي، وهذه ظاهرة عامة بين أوساط القوميين العرب حيث يتناولون العروبة والإسلام بوصفهما مفهومين تربطهما أواصر القربى. وفي هذا الصدد يشير الكاتب إلى تصريح بشير هوادة حيث قال "إن العروبة جسد والإسلام روح يحركه".



يستنتج الكاتب في النهاية إلى أن الأغلبية الساحقة من أنصار القومية العربية ينطلقون من فكرة مفادها أن الإسلام هو جزء أساسي من الثقافة القومية العربية وأساسها الروحي بوصفه الدين العربي الأصيل، حيث يشارك الكثيرون الرأي القائل بأن "الأمة العربية حققت مجدها وعظمتها بفضل السلام ومن أجله". ومن هنا يستنتج أن بعث مجد الإسلام ضروري لبعث مجد العروبة.





ز.أ.ليفين، ترجمة: حمدى عبدالحافظ. تطور الفكر الاجتماعي العربي (حول بعض التيارات غير الماركسية بعد الحرب العالمية الثانية حتى بداية الثمانينات). القاهرة: دار العالم الجديد, ط1, 1989.

انشر تعليق

أحدث أقدم