الاسلام والشرعة الدولية لحقوق الانسان




تحت عنوان  "فصل المقال فيما بين الإسلام والشرعة الدولية لحقوق الإنسان من اتصال " كتب  مصطفى الرميد مقالا جاء فيه:
"...وإذا كان هذا التوافق القيمي الأساسي بين الإسلام والشرعية الدولية لحقوق الإنسان الذي تحتضنه قيمة الكرامة المعتبرة في كليهما أساسا لباقي النصوص المعتمدة في كليهما، فان ذلك لا يعني توافقا تاما في التفاصيل، بل إن هناك اختلافات في التفاصيل بين المنظومتين، إلا أنها تبقى محدودة تتطلب التدقيق والتحفظ.


وهكذا على سبيل المثال فمن بين 30 مادة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هناك مادة واحدة نعتبرها منافية لصريح القرآن الكريم وهي المادة 16 التي تنص على أن للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزويج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب النوع أو الدين... ووجه التحفظ هنا هو نفي قيد الدين في الزواج في حين أن الله تعالى يقول في محكم التنزيل : ﴿وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(219) ﴾(سورة البقرة )

ولتأكيد عالمية حقوق الإنسان وقدرتها على استيعاب قيم كافة الأديان ومعطيات كافة الحضارات، فقد نصت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الصادرة في 1969 على التحفظات، حيث أن من حق أي دولة لدى توقيع معاهدة ما أو التصديق عليها أوقبولها أو الانضمام اليها أن تبدي تحفظا إلا إذا:
(أ)حظرت المعاهدة هذا التحفظ؛ أو
(ب) نصت المعاهدة على أنه لا يجوز أن توضع إلا تحفظات محددة ليس من بينها التحفظ المعني؛ أو 
(ج) أن يكون التحفظ، في غير الحالات التي تنص عليها الفقرتان الفرعيتان (أ) و(ب)، منافيا لموضوع المعاهدة وغرضها.

وهو ما يؤهل الدول الإسلامية وغيرها من الدول إبداء التحفظات اللازمة، غير أن هذه التحفظات ينبغي أن تكون ذات أساس ومبررة بشكل دقيق حتى لا يتم بدعوى التحفظ إفراغ المواثيق الدولية من مضامينها وتجريدها من جوهرها.

وفي نفس الآن ينبغي على الدول الإسلامية ألا تغيب بمرجعيتها الإسلامية عن إعداد الوثائق الاتفاقية لتتأهل الاتفاقيات لاستيعاب المقتضيات الإسلامية دون حاجة الى التحفظ وهو ما وقع بالنسبة لاتفاقية حقوق الطفل خاصة في المادة 20 التي نصت صراحة على أنه (يمكن أن تشمل هذه الرعاية (الرعاية البديلة) في جملة أمور، الحضانة، أو الكفالة الواردة في القانون الإسلامي، أو التبني، أو، عند الضرورة، الإقامة في مؤسسات مناسبة لرعاية الأطفال...) ويعتبر هذا النص الذي اعتمدته الأمم المتحدة في 20 نونبر 1989 منعطفا مهما في استيعاب كافة الثقافات وتبويئها مكانة لائقة في النص الاتفاقي، يؤهله ان يكون أكثر عالمية من جهة، ويجعله الزاميته أكتر دقة ووضوحا.

وأخيرا، فإن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان تعتبر منتوجا بشريا نبيلا ورائعا على العموم، إنه الحكمة بوجه من الوجوه، التي إن وجدها المؤمن فهو أحق الناس بها، غير أن موازين القوى العالمية تبقى محددا أساسيا في تكييف المواقف منها، وبالتالي فإن تطبيقها وتتبع ذلك، والالتزام بها يخضع لمكاييل مختلفة تلعب فيها السياسة والقوة والمال وغيرها أدوارا حاسمة. 
وهكذا لاحظنا كيف أصبحت هذه العوامل حاضرة بشكل ملحوظ في تقييم الدول بعضها البعض، وتؤدي الى تهميش الاعتبارات الحقوقية لفائدة الاعتبارات السياسية، ومثاله ما يتم خلال مناقشة تقارير الدول في إطار آلية الاستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان، وهو ما يلاحظ أيضا على بعض قرارات مجلس الأمن التي تغلب عليها الاعتبارات السياسية لولا صلاحيات الجمعية العمومية التي يمكن أن ترد الأمور الى نصابها أحيانا كما وقع أخيرا في موضوع قرار الولايات المتحدة الامريكية اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل".


وزير دولة مغربي مكلف بحقوق الانسان والعلاقة مع البرلمان عن حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الاسلامية.

انشر تعليق

أحدث أقدم