الهوليغانز : الجانب المظلم في تاريخ كرة القدم

 

الهوليغانز أو التعصب الكروي يطلق عليه بالإنجليزية لفظ : Football Hooliganism، و يراد به ذلك السلوك غير المنضبط أو العنيف الذي تفتعله شريحة من الجمهور أثناء فعاليات تتصل برياضة كرة القدم، و في ثمانينيات القرن التاسع عشر انبثقت من انجلترا أول حالات الشغب المعروفة في الساحة الكروية، إذ خلال عام 1885 انتصر نادي بريستون نورث إيند على نظيره أستون فيلا بخماسية بيضاء ضمن لقاء ودي، هذا الأخير أعقبته أحداث شغب تعرض فيها أعضاء الفريقين لاعتداء بالعصي و الرشق بالحجارة و لشتى أشكال العنف،و في السنة الموالية تعرض مشجعو نادي بريستون نورث إيند لمشجعي نادي كوينز بارك في محطة للسكك الحديدية،أيضا في عام 1905 تمت محاكمة عدد من مناصري نادي بريستون نورث إيند على خلفية الفوضى و الاضطراب الذي تم إحداثه، هي كلها وقائع مهدت الطريق لولادة أزمات رياضية جديدة جعلت من كرة القدم عالما دمويا بدلا من كونه لعبة شعبية..  

و لأن لكل ظاهرة أسبابها الخاصة، فلا بد من التطرق إلى دوافع الهوليغانز و التي من الممكن تقديمها في الأسباب و المبررات التالية:
● عدم تقبل الهزيمة و الخسارة: ففي هذه الحالة يتم افتعال نزاعات ناتجة عن عدم الرضا بخسارة فريق معين دون الآخر و تنشب صراعات لهذا السبب..
● اختفاء و غياب ثقافة الروح الرياضية: و التي تعتبر من المقومات الأساسية لأي لعبة رياضية يؤدي غيابها إلى انتشار العنف لدى الأوساط الكروية..
● الأخطاء التحكيمية: من المحتمل أن تكون هذه الأخطاء سببا في اشتعال نيران المواجهة بين الفريقين، ثم هناك السبب النابع من الحب الشديد و الولاء الخالص لناد معين دون سواه مما قد تتمخض عنه أعمال كارثية و مدمرة، و هناك تبريرات أخرى لم يتم ذكرها هنا...

وجدت العديد من النظريات التي حاولت تفسير معضلة التعصب الرياضي و كيف يمكن تحليل السلوكات النابعة عنها، حيث أوضحت نظرية التحليل النفسي لسيغموند فرويد أن التعصب هو طريقة يلجأ إليها الشخص بهدف إيجاد مخرج للصراع الذي يحدث في النفس و معاتبة الآخرين، و رجحت نظرية التعلم أن التعصب يتم اكتسابه عن طريق عملية التنشئة الاجتماعية و بنفس الآلية التي يتعلم بها الفرد بناء توجهاته النفسية و الاجتماعية، إذ يسعى لنشر أفكاره المتعصبة بين باقي الأفراد كأنها نوع من أنواع الثقافة، في حين تذهب نظرية الصراع بين الجماعات إلى معرفة متى و كيف ينشأ ذلك التعصب بين أفراد المجتمع، و مدى تأثير مختلف التفاعلات التي تتشكل بين أولئك الأشخاص في تلك الجماعات في حدوث اضطرابات من شأنها أن تخلق سلوكات عدائية .. 

عندما تغيب الروح الرياضية عن الملاعب فحينئذ يحضر العنف و تقع الكارثة، و كثيرا ما تحولت الساحة الكروية إلى ساحة حرب لإراقة الدماء، و خير مثال كارثة ملعب هيسيل التي دارت أحداثها بالعاصمة البلجيكية بروكسل في 29 مايو 1985، و باتت تعرف بين عموم الناس بكارثة ملعب هيسيل التي نتجت عن أعمال شغب قبيل بدء مباراة نهائي كأس الأندية الأوروبية البطلة 1985 بين نادي ليفربول الإنجليزي و نادي يوفنتوس الإيطالي و راح ضحيتها 39 شخصا و أصيب 600 شخصا آخرين،عقب هذه المأساة تم حظر جميع الأندية الإنجليزية من اللعب في المسابقات الأوروبية من قبل الويفا و استبعد نادي ليفربول سنة إضافية، مما منعه من المشاركة في كأس أوروبا موسم (1990-1991) بالرغم من أنه كان بطل الدوري في 1990، كما اعتقل عدد من جماهير ليفربول و تمت محاكمتهم فيما بعد على خلفية أعمال الشغب تلك، لم يتوقف عداد الكوارث العنيفة التي طالت عالم المستديرة الساحرة فكان لها موعد مع كارثة هيلزبره عام 1989 على أرضية ملعب هيلزبره ملعب نادي شيفيلد وينزداي في شيفلد بإنجلترا، أثناء المباراة التي جمعت نوتينغهام فورست الإنجليزي بنادي ليفربول ضمن منافسات نصف نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، هلك حينها 96 مشجعا و على إثر تلك الكارثة وضعت وثيقة من قبل اللورد بيتر تايلور، أطلق عليها تقرير تايلور هذا التقرير مهد الطريق لتشريعات تطلب من جميع فرق الدرجة الأولى أن يكون في ملاعبها مقعد لكل متفرج، و كشف التقرير أن السبب الجوهري لهذه الفاجعة يرجع للاكتظاظ الناتج عن الفشل الأمني في السيطرة على الوضع، و لأن كرة القدم لعبة توحد شعوب العالم كافة فكان لا بد أن ينال العالم العربي نصيبه من مآسيها من خلال فاجعة بورسعيد أو " مذبحة بورسعيد" نظرا لوقائعها الشنيعة آنذاك التي حدثت في أول أيام شهر فبراير من عام 2012، قضى على إثرها 74 مشجعا على الأقل بعد اشتباكات عنيفة اتخذت من مدرجات بورسعيد مسرحا لها و احتدم الصراع فيها بعد نهاية مباراة المصري و الأهلي، صنفت كأخطر مجزرة في تاريخ كرة القدم المصرية و الإفريقية على حد سواء ..

يقال أن "كرة القدم هي الأوبرا التي يعزفها البشر جميعا" ، لذا فمن الأفضل أن تعزف على إيقاعات الروح الرياضية و التناغم بعيدا عن كل شكل من أشكال العنف و الخراب، فهي توحد شعوب العالم كافة تحت لواء الشغف و لذة الانتصار و كل تصرف مدمر يتم في أعقابها من شأنه أن يؤدي إلى تدنيسها ..


انشر تعليق

أحدث أقدم