ركن الأهلية في المسطرة المدنية




 تعد المسطرة(مدنية كانت أم جنائية) الشريعة العامة في التقاضي(محمد جلال السعيد) توضح الاختصاصات والإجراءات وشكليات التقاضي أمام المحاكم بمختلف درجاتها وأنواعها، وتحدد قواعد  المحاكمات الواجب اتباعها والتقيد بها من طرف المتقاضين وأسرة العدالة سواء قبل رفع الدعاوى أو أثناء سريانها أو عنذ تنفيذ الأحكام ونفاذها. وبالإضافة إلى هذه المساطر العامة، هناك مساطر خاصة تابعة ومكملة  تأتي بعد هذه المساطر وهي تلك المساطر التي تهم كل اختصاص قضائي بعينه، فللقضاء المدني مساطره الخاصة المتعلقة بالأسرة..وللقضاء التجاري مساطره الخاصة أيضا..

وسنتحدث بصفة عامة، في هذه المقالة المختصرة، عن شروط التقاضي الواردة بالمسطرة المدنية-المغربية- على أن نتعرض بصفة خاصة لشرط الأهلية  أو أهلية التقاضي من خلال العمل القضائي المغربي.

طبقا للمادة 1 من المسطرة المدنية، فإنه:" لا يصح التقاضي إلا ممن له الصفة، والأهلية، والمصلحة، لإثبات حقوقه". أي أن المشرع المغربي(البرلمان) حدد هنا الشروط أو الأركان  الواجب توفرها للتقاضي أمام المحاكم المغربية، ومن دونها لا يمكن رفع أي دعوى قضائية أو الانتصاب كطرف فيها، وهذه الأركان الثلاثة هي:

1-  الصفة؛

2-  المصلحة؛

3- الأهلية؛

أيضا كان المشرع دقيقا حينما اشترط في من يعتزم رفع دعوى توافر الأركان الثلاثة معا حينما استخدم حرف العطف- الواو- إذ لا يصح مثلا لمن يتوفر على الصفة ولا يتوفر على المصلحة و الأهلية أن يرفعها. لكنه لم يكن دقيقا، عندما قصر الغاية من التقاضي في إثبات الحقوق، إذ أنه يمكن إلى جانب ذلك رفع دعاوى لإسقاط حقوق.

ومن الناحية العملية، إذا قام شخص-طبيعي-  ممن لا تتوفر فيه الأركان الثلاث أو أحدها  برفع دعوى أمام إحدى المحاكم المغربية، فإن أول أمر يقوم به القاضي المقرر المحال عليه الملف هو التحقق من توافر هذه الشروط. وفي حالة غيابها أو أنقص أحدها يعمد هذا الأخير إلى إنذار صاحب الدعوى أو من ينوب عنه(محامي، أب، صهر..) بضرورة إصلاح هذا الخطأ داخل أجل يحدده القاضي( غالبا تكون المدة محددة في 15 يوما) ف إذا تم تصحيح المسطرة اعتبرت الدعوى كأنها أقيمت بصفة صحيحة، وإلا صرح بعدم قبولها. وقد عبرت الفقرة الثانية من نفس هذه المادة عن ذلك بالإشارة إلى هذين الإجراءين: " يثير القاضي تلقائيا انعدام الصفة أو الأهلية أو المصلحة أو الإذن بالتقاضي إن كان ضروريا وينذر الطرف بتصحيح المسطرة داخل أجل يحدده".

 وبالنسبة لقضايا فاقدي الأهلية، فإنها تبلغ إلى النيابة العامة (المادة 9 من م.م)، التي تتدخل في الدعوى كطرف منضم(المادة 8 من م. م)، قبل الجلسة بثلاثة أيام على الأقل بواسطة كتابة الضبط. غير أنه، يمكن أن يتم هذا التبليغ أمام المحكمة الابتدائية في الجلسة المندرجة القضية فيها. حيث يمكن للنيابة العامة، في هذه الحالة، أن تطلب تأخير القضية إلى أقرب جلسة لتقديم مستنتجاتها كتابة أو شفويا.. (المادة 9 من م. م). فما المقصود بالأهلية؟.

تبعا لمدونة الأسرة، فإن كل شخص بلغ سن الرشد، والمحددة في 18 سنة شمسية كاملة، ولم يثبت سبب من أسباب نقصان أهليته أو انعدامها يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه وتحمل التزاماته.

والأهلية نوعان: أهلية وجوب وأهلية أداء. وأهلية الوجوب هي صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق وتحمل الواجبات التي يحددها القانون، وهي ملازمة له طول حياته ولا يمكن حرمانه منها. أما أهلية الأداء فهي صلاحية الشخص لممارسة حقوقه الشخصية والمالية ونفاذ تصرفاته، ويحدد القانون شروط اكتسابها وأسباب نقصانها أو انعدامها.

ويعتبر ناقص أهلية الأداء:

-الصغير، وهو الذي بلغ سن التمييز - اثنتي عشرة سنة شمسية كاملة-  ولم يبلغ سن الرشد؛

-السفيه، وهو المبذر الذي يصرف ماله فيما لا فائدة فيه، وفيما يعده العقلاء عبثا، بشكل يضر به أو بأسرته؛

 -المعتوه، هو الشخص المصاب بإعاقة ذهنية لا يستطيع معها التحكم في تفكيره وتصرفاته.

في حين يعتبر عديم أهلية الأداء؛ الصغير الذي لم يبلغ سن التمييز؛ والمجنون وفاقد العقل. و إذا أصيب هذا الأخير بحالة فقدان العقل بكيفية متقطعة،  فيعد كامل الأهلية خلال الفترات التي يؤوب إليه عقله فيها.وعموما يخضع فاقدو الأهلية وناقصوها بحسب الأحوال لأحكام الولاية أو الوصاية أو التقديم بالشروط ووفقا للقواعد المقررة في مدونة الأسرة.

وفي هذا القرار القضائي سنتوقف عند قضية شخص طبيعي " فاقدا للأهلية" كان متعاقدا مع شركة تأمين قد رفع دعوى ضدها للمطالبة بحقوقه هو وعائلته، فرد دفاع الشركة أمام محكمة النقض بالوسيلة التالية:


وقد أيدت محكمة النقض هذ الدفع جزئيا، فهي لم تنفي أن المدعي في شخص والدته بعد أن تحصلت على دعوى الحجر على ابنها قد استوفت شرط الأهلية المتطلب قانونا أثناء المرحلة الاسثئنافية للدعوى، مما يجعل العيب الشكلي المثار تلقائيا من طرفها قد تم تداركه. لكنها آخذت عليه أنه أثناء رفع الدعوى ابتدائيا لم يتوفر فيه شرط الأهلية، ولم تصحح المسطرة إلى غاية صدور الحكم الابتدائي. مما لا يجوز معه تقعيل إجراء  الإنذار المنصوص عليه في المادة 1 أعلاه من م .م أمام محكمة الاستئناف، مما يعد تأييدا لحكم صدر باطلا، ولهذا اعتبر تعليلها فاسدا..


وعليه، فعند رفع دعوى قضائية من شخص لا يتوفر على ركن الأهلية ولم تصحح المسطرة أثناء المرحلة الابتدائية، وقبل صدور الحكم بشأنها، فإنه لا يتم قبول الدعوى ابتداءيا ولا يجوز له في المرحلة الاسئنافية أن يصحح المسطرة .


انشر تعليق

أحدث أقدم