تزكية القلوب 3: القلب الحي

مر معي أن من صفات القلب(القلب هنا بالمعنيين العضوي والمعنوي-الصدر والفؤاد) السليم أن يكون قلبا حيا عابدا وزاهدا، وتسائلت كيف السبيل ليتحول هذا القلب  الميت إلى قلب حي ؟ حياة ليست كالحياة التي أحياها كمالأنعام نتغدا ونتكاثر ونجمع التكاثر الملهي، وإنما حياة موصولة بأصلها وغايتها- الله الواحد الصمد، حياة يتحول معها الفؤاد إلى حياة أخروية مستترة ومشتعلة لا ينطفىء نورها إلا أن يشاء الله. ولعمري إنها عقبة" وما أدراك ما العقبة"  وطريق لا يسلكه إلا ساع لعتق رقبته من عوالق الدنيا وسوء المنلقب في الآخرة. ولكي أروض هذا القلب  ليغدو حيا نبهتني سورة الأعلى بوجود التعرض لأربع نسمات" قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى".
أولى النسمات وأعظمها؛ أن أستشعر، في كل وقت وحين أن عبادتي وحركاتي وسكناتي وحياتي ومماتي هي " لله رب العالمين" ابتداء وانتهاء ، وليست لأحد من الأغيار، فحاذر ثم حاذر أن تكون وجهتك غيره، فهي المرجعية المطلقة التي تأطر وجودي وتعطيه معنى وطمئنينة، سأردد هذه الحقيقة  بالغدو والآصال حتى لتزاحم الهواء الذي أتنفسه، وأذكر نفسي وأهلي بها ليذكروني بها إن غفلت عنها..
تزكية القلوب 3: القلب الحي
أما ثاني النسمات، فاستشعار معية الله" كأنك تره"، استحضار عظيم  فأخشاه، ورقيب  فلا أكون في موطن أو فعل يكرهه، وجليل فأهابه وأوقره، رؤوف رحيم غفور فإن أدنبت فرحمته وسعت كل شيء، خالق مصور..أعيش معناها وأرددها كلما هممت بطاعة لأخلصها من شرك الأغيار وأحصنها من الرياء..وإن هممت بمعصية ردعتني أنوارها..وكلما أقبلت على الدنيا كانت تذكيرا باستحضار عظمة الله في خلقه ومخلوقاته..فيصبح العمل عبادة والترويح عن  النفس عبادة والطعام عبادة..أعيش معناها عين اليقين بل حق اليقين في فراغي ومنشطي ومشغلي..

تزكية القلوب 3: القلب الحي

أما ثالث النسمات، فعند صلتي بربي، فأجعل منها آخر لحظة قبيل لقائه عز وجل" صل صلاة مودع" ليتحقق الخضوع والخشوع، ومن أية التعرض للهذه النسمة أن تصبح كل لحظة لقاء بمثابة راحة مطلقة من عوالق الدنيا ووهمومها " أرحنا بها" لا منها..حينها ينشرح الصدر بنور الله المتدفق له حلاوة تسمن وتغني من جوع الإيمان وغفلة النفس وقساوة القلب..
تزكية القلوب 3: القلب الحي
أما رابع النسمات، فذكر الله حالا ومقالا فردا وجماعة.وأسمى ما أذكر الله تعالى به هو كتابه وفرقانه ففيه الهدى والمنهج..فتدبره مفتاح حياة القلوب وعلامتها"من كان له قلب وألقى السمع وهو شهيد"، اتلوه وتدبر معانيه ومبانيه إلى أن يقشعر بدني" تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم"وتلين جوارحي فتهب نفسي شوقا  إلى ذكره " ثم تلين جلودهم وقلوبهم لذكر الله"عند تلاوته وعند سماعه ..يا أ الله غاية في الوصف والعصف..حتى الجوارح من خشية ربها تسبحه وتنقاد إليه تقديسا وتعظيما...
تزكية القلوب 3: القلب الحي
وفي لحظة خلوة وصفاء استمتع بمناجاته عز وجل..تسائل معه سبحانه عن سر الخلق والمخلوق وغاية الوجدو والإيجاد..احمده على نعمة الهدايا والإنابة إليه..أشكره على عطاياه والإمداد..ثم اعترف له بعجزك وذلك وتقصيرك وصغارك من دون حوله وقوته..واسأله المدد والمعونة على كل ذلك..
ولا يكتمل ذكرك هذا إلا يمجالسة أهله وخاصته، فهم الجلساء لا يشقى جلسهم..كن كالنحلة  انتقل من مجلس وحلقة ذكر إلى أخرى تبحث عن رحيق كلامه عز وجل وسيرة مصطفاه صل الله عليه وسلم..فهي مآدب الرحمان تجعل قلب المرء وهاجا بنور الله ومحبته مقبل عليه مدبر على الدنيا..لكأنه يرى الجنة والنار عين اليقين..لكن" ساعة بساعة"... 



انشر تعليق

أحدث أقدم